بطلة هذه القضية سيدة شابة في بداية الثلاثينات من عمرها. جميلة الملامح هادئة الطباع، وسيرتها الذاتية لا تشوبها شائبة. كانت صغيرة في السن عندما تقدم لخطبتها شاب يكبرها بـ (8 سنوات)، كانت وقتها في السنة الثانية بكلية التجارة رحب والدها بالعريس، وأكملت تعليمها وهي في منزل الزوجية.
دارت بها عجلة الحياة، ولم تشعر بالأيام وهي تسارع بها، وعندما انتبهت وجدت أن حال زوجها تبدل 180 درجة، فقد ترك وظيفته، وعمل بالتجارة وتذوق حلاوة المكسب وأصبحت أمواله ميزة مذمومة غيرت وجه الحياة بالنسبة لها، فقد تحول إلى إنسان آخر قاسي القلب ومغرور يسفه كلامها ويسئ معاملتها ويجرح كبرياءها. كل هذا إلى جانب الأخبار التي كانت تصلها عن تعدد علاقاته النسائية وما زاد الطين بلة رغبته في الزواج من امرأة أخرى.
من هدم العش؟
وقفت الزوجة تدافع عما تبقى لها من كرامة، وتحاول أن تثنيه عن رغبته في الزواج عليها إلا انه أصم أذنيه، وسار في طريقه، هدم عش الزوجية الذي كان يوما ما هادئا وسعيدا.
لجأت الزوجة للمحكمة لتطلب الطلاق الذي حصلت عليه للضرر، وعادت إلى منزل والدها تحمل طفليها وفشلها وذكريات أليمة في حقيبة إلى جوار ملابسها. بعد مضي عام طرق بابها زميل لها في العمل يطلب الزواج منها، فكرت ألف مرة قبل أن توافق عليه، رأته إنسانا حنونا سيعوضها عما قاسته مع زوجها الأول، وتبدأ معه حياة جديدة، وبالفعل تزوجا وبعد مضي أقل من شهرين على زواجهما فوجئت بمحضر من المحكمة يسلمها حكم محكمة يقضي بعودتها إلى عصمة زوجها الأول وحكم طاعة يطلبها فيه بالدخول في طاعته بالإضافة إلى محضر شرطة يتهمها بالجمع بين زوجين لا لشيء إلا أن زوجها الأول يريد الانتقام منها، لأنها فكرت في الزواج والحياة مع غيره، وهو الذي كان ينتظر أن تعيش ما تبقى من عمرها أسيرة ذكرياتها معه أو أن تأتي منهارة ترجو إعادتها إلى عصمته!
من المسؤول؟
الآن تقف الزوجة في حيرة من أمرها لا تعرف ماذا تفعل وتتساءل: هل هي بذلك تكون متهمة بالجمع بين زوجين وأي الزوجين هي في عصمته الآن؟ وطفلها الذي لا يزال جنينا في أحشائها عندما سيخرج للدنيا لمن سيكون نسبه؟
تلك الأسئلة طرحناها على المستشار هاني الشريف فأجاب قائلا: قضاء الأحوال الشخصية يختلف عن غيره من أنواع القضاء من حيث تعدد درجات التقاضي أكثر من الدعاوى الأخرى المدنية أو الجنائية، فمثلا إذا صدر حكم غيابي بالطلاق من حق الزوج أن يطعن فيه بطريق المعارضة، فإذا تم تأييد الحكم في المعارضة فمن حقه أن يطعن فيه بطريق الاستئناف، وتكون الزوجة قد تزوجت من آخر أثناء ذلك، ويحدث في كثير من الأحيان أن محكمة النقض تجد أن الحكم بالطلاق من محكمة الاستئناف شابه خطأ في تنفيذ الحكم وأن القاضي أخطأ عن غير بصيرة في تطبيق القانون أو أن إجراءات سير دعوى الطلاق أمام المحكمة شابها خطأ إجرائي، وفي هذه الحالة يعطي القانون محكمة النقض الحق في أن تلغي هذا الحكم، وهذا معناه أن المحكمة حكمت بإلغاء حكم الطلاق، وبالتالي لا يوجد طلاق من أساسه، وتصبح هذه السيدة على ذمة أو في عصمة زوجها الأول الذي طلقت منه بحكم محكمة أول درجة أو الاستئناف.
ويضيف الشريف: المشكلة الكبرى تظهر إذا حملت الزوجة أو أنجبت من زوجها الثاني، لأن حكم النقض يستغرق (4 سنوات)، ولذلك فإن أحكام الشريعة الإسلامية أوجدت حلا لهذا الوضع من الناحية الشرعية، وهو أنه في هذه الحالة يتعين إعادة الزوجة إلى عصمة زوجها الأول والتفريق بينها وبين الزوج الثاني، لأن زواج الزوج الثاني انعقد على امرأة لا تصلح محلا للزواج، لأنها زوجة لرجل آخر أما أولادها من زوجها الثاني فيثبت له نسبهم طالما أن هناك علاقة زوجية كانت قائمة في حينه تطبيقا لمبدأ «الولد للفراش».
الجمع بين زوجين
أما عن الاتهام الموجه لها بالجمع بين زوجين فيرى المستشار عبد الله الباجا أن المسألة تتوقف على تفاصيل كل حالة على حدة أي تتوقف على وضع الزوجة عند زواجها من الزوج الثاني هل كانت عدتها قد انقضت أم لا؟ وهل كان الحكم الذي صدر حكما نهائيا ولا يعني بذلك حكم محكمة النقض، ولكن حكم الاستئناف، أما إذا كانت قد تزوجت قبل صدور الحكم واستمرت في علاقتها مع الزوج الثاني بعد قضاء محكمة النقض بإلغاء حكم الطلاق فهذه تكون جريمة تعاقب عليها.
ويضيف المستشار عبد الله الباجا: إن هذه معضلة قانونية ومشكلة حقيقية وتمثل نسبة كبيرة لا يستهان بها في قضايا الأحوال الشخصية، وهي نتيجة وضع قانوني خاطئ لكنه غير مقصود ونصوص القانون تؤدي إلى إفراز هذه المشكلة.
وهناك مشاكل أخرى تصادفنا من هذا القبيل، وكلها تتعلق بالشق الإجرائي، مثلا للزوج الحق في تطليق زوجته ومراجعتها مرة أخرى دون أن يوثق المراجعة عند الموثق أو على يد مأذون، وهذا فقه المذهب الحنفي، وهو مطبق في مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق